وداعا عميد الأغنية الشعبية “محمد رويشة”

بقلم ذ. الكبير الداديسي
يوم  الثلاثاء 17 يناير 2012 سيبقى يوما محزنا في تاريخ  الأغنية الشعبية المغربية  برحيل عملاقين من الفن الشعبي هما حمادي سوسدي  عن سن 60 سنة مغني مجموعة لمشاهب الذي ابهر المغاربة بصوته القوي منذ فوزه في سنة 1969 بجائزة أحسن صوت من خلال مسابقة الوقت الثالث ) التي كان ينظمها التلفزيون المغربي ومروره عبر عدة مجموعات : ناس الغيوان ، جودة ومسرح الطيب الصديقي …قبل استقراره بمجموعة لمشاهب
وفي نفس اليوم  وعن سن 62 سنة أصاب هازم الذات ومفرق الجماعات عميد الأغنية الشعبية  المرحوم محمد رويشة الذي أسر قلوب المغاربة  لعقود من الزمن منذ أن صدر له أول شريط مع مطلع الستينات  وظهوره  الأول على خشبة مسح محمد الخامس سنة 1980 ليشكل بمفرده ظاهرة غنائية في المغرب بصوته  وعزفه   . وشمسا كادت تحجب كافة نجوم  الأغنية الشعبية  بما فيها المجموعات
تميزت تجربة محمد ارويشة بقدرته  على الجمع بين  الغناء باللغة العربية والأمازيغية  برهافة أصيلة  تعكس جذور المغرب العميق قريبا من مختلف الشرائح ، يطرب لصوته وعزفه حتى من لا يفهم كلمات أغانيه مما جعل من موروثة الموسيقي  جزءا من الهوية المغربية  الأصيلة ، وسفيرا للفن الشعبي ، فما أن يستمع المتلقي لقسمات رويشة على الكنبري  في أي مكان من أنحاء العالم حتى يجد نفسه متلمسا لجذور المغاربة حيث صوت الأطلس العميق ، دون نسيان أن محمد رويشة طرق مواضيع عاطفية ومواضيع وطنية وقومية وإنسانية ستجعل من أغانيه تراثا خالدا   ، ومرجعا للدارسين والباحثين ، والأكيد أنه سيأتي الوقت الذي يحضى فيه هذا الموروث بالعناية كما حدث لعدد من العباقرة من الرسامين والكتاب والموسيقيين التي لم ينتبه الناس لعبقريتهم إلا بعد رحيلهم …
صحيح أن الفقيد كان سيحضى- مع المايسترو أشيبان – بتكريم يوم  الثلاثاء 24 يناير بتكريم كبير على خشبة مسرح محمد الخامس ، لكن الحِمام اختطفه قبل الموعد بأسبوع بعد أن تحسنت صحته عقب الوعكة الصحية التي أدخلته في غيبوبة لم يستفق منها إلا على سرير في مستشفى الشيخ زايد بالرباط ، وكأن القدر أراد له إلقاء أخر نظرة على قمم الأطلس ، وهو الذي كاد يكون أطلس الذي يحمل كوكب الأغنية الشعبية على أكتافه
في توديع هذين الفنانين  في يوم واحد وفي سن متقاربة دلالة على رفض زمن الرداءة الذي لم نعد نشتم فيه سوى رائحة الموت والعفونة ، وكأن عددا من كبار فناني المغرب ومفكريه فضلوا النفوق الجماعي ،على العيش في هذا الزمن الموبوء الذي عجزت كل  برامجنا التعليمية وقراراتنا السياسية  وبرامجنا الحكومية على  خلق مواهب موازية ، مشبعة بروح  القيم الوطنية ، ومتشبثة بالثوابت الوطنية ، وتحمل قيما إنسانية جاعلة من الفن رسالة سامية يشحذ الفكر والذوق ، رافضة البقاء في ساحة لا يطفو على خشبتها الفنية سوى الضوضاء والضجيج ، الفتاوي الغريبة المحرمة للفن ….
فوداعا يا أسد الأطلس ستظل أغانيك موشومة في الذاكرة المغربية وإن كانت المنون ((دارت بيني بينك لحدود  رمات علينا القيود
))